أَنْفَاسْ..

الاثنين، 29 نوفمبر 2010

لن يستغرق الأمر طويلا!

هكذا أقنع نفسي حين أريد إقحامها في متاهة ما, كمعرفة مسار النبض مثلا! أقول سأصل فورا! وأحاول ألا أخذل نفسي لكنني أفشل!


أذهب وأجيء مع الوقت بعين واحدة, وأخرى أتركها على الوسادة تعد النجوم وتقرأ الطالع وتقول أن الوقت لازال ليلا! أنه مثلا في الشتاء! أن السماء تمطر الآن! أن القمر على وسادة أخرى! أن القمر اختفى! أن القمر صار أحمرا! أن القمر قُتل!
هكذا أقنعت نفسي قبل قليل مثلا أنني ما إن أبدأ الكتابة حتى أنتهي, لن تفوتني المحاضرة سأصل على الوقت, وها أنا ذا أخذل نفسي مجددا!
لماذا يا ترى نتقبل فكرة أن نخذل أنفسنا ولا نغفر أن يخذلنا أحد ما! لا بأس!
كل صراعاتنا مع الحياة من المهد إلى اللحد هي بصورة أو بأخرى لأجل البقاء, لماذا يا ترى ونحن على يقين بوجود اللحد الذي سيلفنا ذات يوم لنترك وراءنا كل ما قاتلنا لأجله!
حسنا لن يستغرق الأمر طويلا حتى أخرج من تلك الحالة التي تعتريني, سأعانق الشمس بابتسامة عريضة ذات فرح! لن يطول الأمر!

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

ألوان




(ساعات بنقول يا ريت ما كبرنا! بس الحقيقة إنو كبرنا, وما كبرنا!)
لو نستطيع مقاضاة الزمن مثلا على سرقته الأحلام, العمر, الأصدقاء, الابتسامة.. من يستطيع الأخذ بالثأر من ذلك اللص الذي يهبنا أشياء كثيرة أيضا!
يترك لنا ذاكرة حديدية, وأطلال قصص, وعمر جديد, وأصدقاء آخرين, وبدائل لا حصر لها.. دائما يغرينا لنجري خلفه أو خلف ما يخبئه لنا المستقبل!
في الحقيقة بت ألاحظ أنني أكبر.. كل شيء في تصاعد, في حين أن هناك الكثير مما يجعلني ألاحظ أنه يصغر.. يبتعد..كالبنايات مثلا.. بيتنا القديم, حارتنا, مدرستنا, السطح.. الألعاب, التلفاز.. حتى إن (مجْلة) المطبخ باتت أقصر!
لكن المسافات باتت أبعد.. أبعد.. أبعد! عن شتائل الأقحوان التي كانت تنبت على جانبي الطريق المؤدي إلى المدرسة.. عن قطرات المطر التي أصبحت أسرع.. أسرع! عن الندى الذي كان يكفي لأستحم به؛ فبات أصغر! أقل! عن ليالي الرحلات والأعياد التي كنت أراها طويلة حين كنت أنتظر شروق الشمس لرحلة بحر مع العائلة, أو رحلة مدرسية, أو للبس ثوب العيد الجديد, والتي صرت أراها أقصر, أقصر مما يجب!
لا أستطيع أن أتخيل كيف أن عتبة البيت التي لم تكن مساحتها تتعدى المتر المربع كانت تكفي لحشو كل ألعابي.. وأحلامي.. ومخططاتي, كيف كنت أقسمها إلى مطبخ وصالة وغرفة للضيوف حين كنا نلعب ما يسمى ب(بيت بيوت)!
كيف وبعد الكثير الكثير.. لا أجد شيئا, ينفرط العقد لؤلؤة بعد أخرى.. نفترق, نلتقي! نكبر بابتسامة نشوة ونحن ننظر إلى أجسادنا بالمرآة كيف أنها أصبحت أنضج!
لكنه الزمن يخدعنا مجددا! حين نلتقي بأول مفترق طرق انطلقنا منه فيما مضى.. حين نتعثر بصورة كانت مدفونة بين أطنان من الغبار! أو تقع على رأسنا هدية قديمة وتتحطم بين أقدامنا, حين نتصفح أوتوغرافاتنا ونبتسم بصدق.. بصدق!

*حين أحضر خطبة أقدم صديقاتي قبل أيام, ويلتم شملنا من الشرق إلى الغرب من ثانوية بشير الريس ودلال المغربي والجليل إلى الجامعة الإسلامية وجامعة الأزهر.. من العازبات والمخطوبات إلى المتزوجات والأمهات.. إلى كل الذكريات والضحكات المشوبة بلمحة حزن, دموع فرح مخلوطة.. رقص بخطوات حانية وأيدي تتلامس وأكتاف تتعاضد, وضحكات تعلو..
عيوننا تحاول مسح بعضها البعض تبحث في كل منها عن شيء ما.. شيء قديم.. ضحكة ما, موقف ما, رائحة ما.. رائحة الطفولة, الذاكرة التي أصبحت تعمل كراديو معطل يحاول أن يعرض كل المحطات معا في آن واحد ولا تكون النتيجة إلا أصوات مشوشة تتداخل.. هكذا كنا تلك الليلة نسبح في بحر من الألوان.. كل موجة لون, كل واحدة منا تمتطي لونها.. تزين ابتسامتها.. تحاول إخفاء مسحة الحزن التي بصمها الزمن في محطة ما.. تغطي بثوبها مكانا لقرصة ما! لكننا كنا أنقياء.. أنقياء جدا وبيضاءات! بيضاءات جدا رغم كل الأسود المتناثر!