أَنْفَاسْ..

الأحد، 26 سبتمبر 2010

قهوة سادة



وسط استيائها من كل ما تقع عليه عينها من عالم مثلج جامد وبارد بكل المقاييس..
عالم مزيف بكل دقائقه.. عالم من الزجاج والفولاذ فحسب..! مع جو ضبابي ووجوه متجهمة لا تعبر عن شيء أبدا جامدة كأنها آلة تعلم تماما ما هو عملها، وشمس تظهر على استحياء بين فينة وأخرى هناك خلف المباني العالية وناطحات السحاب، تعلم ذلك من الظلال التي تلقيها على حافة الطريق الذي يعج بأناس من كل شكل ولون.. جنسيات مختلفة، ولغات متعددة.. لغة واحدة مشتركة فقط يفهمها جميعهم.. لغة المصالح!
عالم من المادة وجدت غادة نفسها تغرق فيه شيئا فشيئا كأنه مساحة ممتدة من الرمال المتحركة، وبين كل الذي يناطح السماء هناك حين يمتد بصرها إلى.. إلى.. ولا تدرك القمة، تبحث عن مكان تقضي فيه ساعة الغداء.. مكان هاديء تستطيع فيه التفكير في عنوان لفكرة ما لمقال جديد حتى تعاود عملها في إحدى الصحف العالمية التي وبكل مغرياتها استطاعت أن تستقطب صحفية من حيث ولدت.. من بلد لا يمت لعالم كهذا بصلة.. بغض النظر عن المبررات.. تدخل مطعما سمعت أنه أوسع مما قد تتخيل لأنه يحتوي أناسا من جميع الجنسيات من الفقراء ممن أتوا للعمل في (بلد الأحلام) فظنت أنه مكان جيد لاستجلاب قصة ما تكون محورا لمقالها الذي تنوي كتابته
على طاولتها، طلبت غداءها.. وبعد انتهائها من وجبتها، رأسها المزدحم بأفكار كثيرة جنونية ولد لديها رغبة قوية في تناول القهوة!
وهي تمسك بجريدة المساء تلتهم ما بها من أخبار، تطلب النادل..
-قهوة سادة لو سمحت
النادل بتعجب:ولكن ملامحك عربية!!
-نعم. طلبت قهوة..
-تريدينها حلوة؟!
-قلت سادة!
غاب النادل لدقيقة وعاد في يديه فنجانا من الشاي!
ظنت غادة أنه أخطأ في الطاولة فقالت:ليس لي، لقد طلبت قهوة!
النادل:عذرا، ولكنني اعتقدت أنك كنت تقصدين... ثم استدرك:وهل يتناول العرب القهوة؟!
ردت بفراغ صبر:إنها جزء من تراثنا، ألا تقرأ التاريخ!
النادل:عفوا، أنا أمي.. ولكنني سمعت الكثير عن القصص الخرافية للعرب وسباتهم العميق.. حتى أني سمعت أن منهم من يستطيع النوم طيلة حياته دون أن يرمش له هدب أو يهتز له جفن، وما أعلمه جيدا عن القهوة أنها تحتوي على منبهات قوية!!
.. وفجأة، وجدت غادة ضالتها.. عنوان المقال الذي ستكتبه:
"أيوجد تعارض بين كوننا عرب، وكوننا نحب القهوة!"