أَنْفَاسْ..

الاثنين، 20 أبريل 2009

قبلة ضائعة

" كم هو جميل هذا البحر بموجه الهادئ بلونه البلوري المنعكس من السماء .. وكأنه يلبي نداء القمر ..بل كأنه هو الذي
يدعو القمر إلى حمامه ليغتسل بمياهه الصافية الأجاج ..بل كأنه ليس قمرا .. بل هو فجر طلع في أوائل الليل فحصرته
السماء في مكانه ليستمر الليل .."فجر لا يوقظ العيون من أحلامها ولكنه يوقظ الأرواح لأحلامها ويلقي من سحره على
النجوم فلا تظهر حوله إلا مستبهمة كأنها أحلام معلقة ..
للقمر هنا طريقة في إبهاج النفس الشاعرة .. كطريقة وجه المعشوق حين تقبله أول مرة "...
يلفني بعتمته الظلام ..ويحملني مع أول خيط نثرته عيون الفجر من رموشها البكر التي لم تكتس بعد بذهبية الشمس وآثرت
أن تحمل شيئا يذكرها بالقمر , فلم تجد سوى لونه ..لقد نثر القمر نوره وتبدد ..إذا فقد تبدد .. لتخرج الشمس من صلبه ..
*********
تفتح عينيها .. تتثاءب .. تتمطى .. تعتدل .. تتمري في ماء البحر ..بدأت تفكك ضفيرتها .. حلقة .. حلقة .. بكل أنوثة ..
تدع الهواء يداعب شعرها .. تمشط .. خصلة ..خصلة .. انتهت ..
أخذت تتدلل على مرآتها .. ولكن !ما تلك الخصل البيض هناك ؟ .. نظرت حولها فوجدت غيوما أبت إلا أن تعكر صفوها
في ذلك الصباح .. كيف لا ؟! وقد سلبت تلك الغيوم لونها الذهبي الذي تتباهى به ..استنفرت جيوشها .. كل من يقع تحت
يدها .. الرياح تريد فرصة لتحظى برضي الأميرة .. هبت وأخذت تغير على الغيوم .. بددتها .. هدأت.. رجع اللون
الذهبي لشعرها .. أخذت تسرح خصيلاتها الصفراء التي سلبت منها بكل حنان ..
انتهت فنثر الهواء خصل شعرها ليعم الأرجاء فاستيقظت الأرض كلها على نورها الوضاء.. فاعتذرت لتأخرها .. لكنهم لم
يأبهوا .. فاشتد حرها .. لكنها تحبهم .. هدأت قليلا .. عادت إلى الوراء ..لملمت شعرها .. تمرت .. وأخذت تجدل ..
تصنع ضفيرتها .. إلا بضع خصلات تركتها تنزل على عينيها .. أخذت طرف ظفيرتها .. غمستها في ماء البحر ..
غسلتها .. وأخذت تنزل عقوصتها .. حلقة .. حلقة .. أخذت تنظفها بعناية من شوائب الدهر وأشواك الورود التي علقت
فيها حينما أغرتها بالاقتراب.. ثم أخذت تهذبها بدلال .. وهكذا حتى نعست ..جميلة بعفويتها .. بأنوثتها .. بثورانها ..
بوجنتيها الحمراوين ....أغرت القمر ببكورتها ..
شعر وكأنها تناديه ليقبلها .. فلبى النداء ..
ولكنها استغفلته رويدا .. رويدا ..
حتى لملمت لونها الأحمر الذي أخذ يغمق شيئا, فشيئا ..
وما ان اقترب من شفتيها ذابت في ماء البحر وصبغت زبده بلون شفتيها ..ابتسم القمر ..
جميلة حتى في لؤمها ..
هه ..
أليست أنثى ...؟!
إلى هنا ...

ليلة المنتصف

أخذت تغزل من خيوطها الفضية شرنقة أعدتها لاستقبال حبيبها الذي اشتاقت إليه....إنها
تفتقد من تمارس عليه شقاوتها...من يتقبل مزاحها الثقيل ومقالبها السخيفة...مع أنها كانت
قبل أيام لا تأبه به..إذ انه بات عجوزا...إلا أنها الآن تحيك بيته بيديها...رمته في أحشاء الليل.. احتضنه الليل..تتبلور الشرنقة يوما بعد يوم.. يكبر الجنين في داخلها...ترضعه من نهدها قطرة.. قطرة.. يكبر.. يكبر.. ويتدور.. لم تستطع الشرنقة الصمود.. تحولت الى فتات..تناثرت في السماء.. تبعثرت كما اللآلئ.. اختبأت بين ثنايا الليل الحالك..طغى عليها نور مبهج.. نعم... انه البدر..حل ضيفا على الدنيا.. يحتل مكانة النجوم والمصابيح..بهي كشاب وسيم.. أعلن في ليلة المنتصف عن استعداد قلبه لاستقبال الزوار..سوف يتعلم من أخطائه.. سوف لن يقع في الشرك مجددا...أميرة وأخرى وملل لا يطاق.. وقلب حزين.. وحيد..لا أنيس.. ولا حبيب...ينتظر.. وينتظر.. ما من زائر استطاع أن يقف على أعتاب قلبه.. ما من أحد يدق الباب..ساعات.. وينتظر.....لكن...!لقد دخلت دون استئذان.. دون سابق إنذار..نور تحاول إخفاءه بالسواد الذي يلف جسدها المرهف..انحنى أمامها.. مدت إليه يدها.. باردة كما الثلج.. شفافة كما الماء..يرقصان.. على أنغام الكمان..ألحان كلاسيكية تعزف أخذت تسرق الوقت منهما..لا زلنا في بداية النوتة...يرقصان.. ينظر إلى عينيها الزمردتين..كشف الغطاء عن رأسها.. وما إن رأى شعرها حتى تعلق بخصلة منه وغاص في أعماقه...ذاب عشقا في سواده..أسند رأسه على صدرها.. سرح في جمالها..ولكن.. شيء أيقظه من سباته..أحس بقلبه ينتزع من مكانه..لقد هربت الأميرة..نعم.. لقد دقت ساعة الفجر...إنها تركض.. انتظري.. لم تنتهي المعزوفة..لا زلنا في بداية النوتة..يلحقها.. تركض.. تسقط فردة الحذاء.. تقف هناك في الأفق..تبتسم.. تذوب في الهواء.. تتدثر بالغيوم.. نور عم أركان الدنيا..يا الهي! هل حان وقت رحيله؟! لو أن الله يمد بعمره ساعات بعد.. ليبحث عنها.. ليكمل القصة.. لينهيها كما اعتادت أن تنتهي..هل يحتج..؟ تقاليد القصة لا تسمح بهذا.. لن تسمح بالنهاية قبل أن تقيس الأميرة الحذاء وتركب الحصان الأبيض خلف أمير أحلامها.. ولكن ما الجدوى؟عيونها الناعسة.. لا تفارقه.. وماذا بامكانه أن يفعل؟..هل يغير الطبيعة..كيف؟ وهل يستطيع أن يمد الليل أكثر ..؟رداؤها الأسود.. تركته ورائها.. حذاؤها..لقد رآهما.. انهما لها.. نعم.. إنها هي..لقد عرفها.. في كل ليلة المنتصف من كل شهر..تستغفله.. تستغل حبه لها.. لن يتعلم من أخطائه.. يقع في شركها دوما.. لا يستطيع المقاومة..نجمة الشمال..ابتسامتها الساخرة.. قلبها الجليدي.. حبها الدافئ.. حذاؤها المعكوف..رداؤها الأسود..مهما تلونت.. مهما تغيرت.. تبقى هي.. نجمة الشمال..شفتيها الياقوتيتين اللتين لطالما أذاقاه ريقها الحلو المذاق.. نهديها المتلألأين اللذين لطاما ارتوى شهدا كان يقطر من حلمتيهما...إذا.. كيف لا يسمح لها أن تستغله.. أن تسرق قلبه.. أن تجرحه..!لم لا..؟! إن كانت ستداوي جرحه بقبلة تنسيه غرورها.. لؤمها.. تنسيه نفسه..في ليلة منتصف الشهر القادم.. يغمض عينيه ليحلم.. ليتصور هيئتها القادمة..لكي لا يخدع مرة أخرى.. سوف يتعلم من أخطائه.. سوف لن يقع في شركها مجددا...يبتسم وهو يقول..هه.. هيهات.....
إلى هنا..